الجمعة، 27 مايو 2011


اتفاق السلام الايرلندي


فى العاشر من إبريل 1998 ، تم إعلان اتفاقية سلام بين جمهورية ايرلندا و بريطانيا و أحزاب ايرلندا الشمالية هدفها إنهاء ثلاثين عاما من الصراعات الأهلية فى المنطقة و تحقيق التجانس السلمى بين طوائف ايرلندا الشمالية و بعضهم، وبينهم و بين جمهورية ايرلندا.
وكانت هناك عدة عوامل مهدت طريق التوصل لهذه الاتفاقية أهمها اتفاق اقتراحات النقاط الأساسية الذى أعلن فى 31 يناير 1998 و الذى كان بمثابة قاعدة قامت عليها المفاوضات التى ادت الى الاتفاقية المذكورة.
وكان قد تم مد فترة المفاوضات لمدة 48 ساعة لامكان التوصل إلى الاتفاقية بهذه الصورة و ذلك بسبب المشاكل العديدة التى تفجرت بين الأطراف المختلفة و التى أدت إلى انسحاب حزب أولستر الديمقراطى الاتحادى D.U.P من المفاوضات ،وهو الحزب الذى يتمتع بتأييد شعبى واسع فى شمال أيرلندا.
شارك فى المفاوضات ووقع على الاتفاقية عدد من الاحزاب فى ايرلندا الشمالية الى جانب الحكومة البريطانية، على النحو التالى :
أحزاب ايرلندا الشمالية الرئيسية وتضم :
* حزب أولستر الاتحادى (U.U.P) و هو حزب الاغلبية البروتستانتيه فى الشمال ويتزعمه ديفيد ترمبل. و يعرفون بالاتحاديين و يرغبون فى إبقاء الحال السياسى على ما هو عليه، أى إبقاء ايرلندا الشمالية كجزء من بريطانيا، مع وضع حد للعنف و التصادمات الدامية.
* حزب شن فن ( SF) و يعرفون بالقوميين ويقودهم جيرى آدمز ، وهو حزب كاثوليكى يناضل من أجل الاستقلال عن بريطانيا و الانضمام إلى جمهورية ايرلندا. وقد استخدم الحزب العنف كثيرا فى سنوات الصراع الماضية، وكان محلا للانتقاد من جراء ذلك.
* جمهورية ايرلندا ومثلها التاوسيخ آهرن ،ومنذ تأسيسها وهى تطالب بباقى أراضيها فى الشمال كجزء لا يتجزأ من جزيرة ايرلندا. وبالتالى بإنهاء علاقة الوحدة بين ايرلندا الشمالية وبريطانيا.
أما بريطانيا فقد مثلها رئيس الوزراء تونى بلير، وهى تسعى إلى تحقيق الاستقرار و السلام فى المنطقة و إلى وضع حد لعمليات التخريب و التفجيرات التى يقوم بها الجيش الجمهورى الايرلندى (I.R.A.)، التى تستهدف ليس فقط القوات البريطانية المتواجدة فى ايرلندا الشمالية و إنما تصيب المدنيين و الممتلكات فى انجلترا أيضا.
هناك عدة عوامل ساعدت على التوصل إلى الاتفاق بين الأطراف بصورته الراهنة، منها عوامل داخلية تخص بريطانيا و اخرى تخص الاحزاب الايرلندية ذاتها، كما يلى :
* إرهاق المجتمعات الايرلندية وشعوب المنطقة من دوام الصراع ورغبتهم فى إنهاء العنف، وهو ما دفع قادة الاحزاب الايرلندية الى ابداء المزيد من المرونة فى المفاوضات.
* رغبة بريطانيا فى الانتهاء من مشكلاتها الداخلية، فى إطار سياسة اللامركزية التى بدأ حزب العمل الذى يرأس الحكومة فى تطبيقها، سعيا للتفرغ للقيام بدور قيادى فى الاتحاد الأوروبي، ولانجاز وعود الحزب الانتخابية الاخرى.
اما العوامل الخارجية فهى :
* دور الولايات المتحدة واهتمامها بحل القضية الايرلندية نظرا للضغوط التى يمارسها الامريكيون من اصول ايرلندية، مما جعل المساهمة فى إيجاد حل للمشكلة أمر يحظى بشعبية كبيرة، يسعى ورائها أى رئيس للولايات المتحدة .
وقد لعب السيناتور روبرت ميتشيل و هو قاضى سابق دوراً محورياً فى مساعدة جميع الأطراف و الضغط عليهم لقبول اتفاقية ملزمة تضع حداً لأعمال العنف والتخريب. وكان ميتشيل بدأ علاقته بالمشكلة الايرلندية حينما عينه الرئيس كلينتون مستشاره الاقتصادى لشمال ايرلندا ورئيس المباحثات متعددة الأطراف فى قصر ستورمونت بعد رئاسته الناجحة 'لمجموعة واشنطن الثالثة' مع هارى هولكرى و الجنرال جون دى سلاين لدفع عملية السلام بعد تعسرها حول نقطة نزع السلاح والتقليل من القوات.
* دور الاتحاد الأوروبي والذى تبلور فى تحفيز الشعب الايرلندى على قبول الاتفاق السلمى وانهاء المواجهة العسكرية عبر تقديم منحة للشعب الايرلندى من خلال ميزانية خصة بقيمة400 مليون جنيها استرلينى لمدة خمس سنوات، من اجل اقامة مشاريع تؤدى الى تحقيق التجانس و التعايش السلمى بين المجتمعات المتنازعة، أملا فى أن يخلق هذا التجانس المناخ السياسى السليم لتحقيق السلام على المدى البعيد.
نظرة مستقبلية:
بالرغم من أن التوصل إلى هذه الاتفاقية يعد نجاحا فى حد ذاته إلا أنه لا يعدو أن يكون خطوة أولى فى طريق إنهاء الصراع نفسه.، لاسيما وأن الاتفاقية توفر الآليات والسبل لحل النزاع فى إطار مرن. ويعتبر الانتصار الحقيقى للاتفاقية هو حصر النزاع فى الإطار الدبلوماسى.
بيد ان العقبة الاكبر تكمن فى قدرة جميع الاطراف على إقناع مؤيديهم بقبول الاتفاقية و التصديق عليها فى الاستفتاء الذى سيقام فى 22 مايو المقبل. فعلى قادة الاتحاديين والقوميين فى شمال ايرلندا، إقناع أحزابهم أنه من خلال هذه الاتفاقية يستطيعوا تحقيق أغراضهم على المدى البعيد، وذلك مع الاخذ فى الاعتبار أن تلك الأهداف متعارضه الى حد كبير. فالاتحاديون اكتسبوا اعترافاً بأن ايرلندا الشمالية ستظل جزءاً من بريطانيا و أن أى قرار لتغيير ذلك يستلزم موافقة أغلبية سكانها وهم يعتمدون على تمتعهم بالأغلبية وشعورهم بأنهم بالتالى يسيطرون على القرار النهائى فى هذا الصدد. ولكنهم اضطروا إلى الموافقة على نظم للتمثيل و للتصويت للمجلس المنتخب لشمال ايرلندا لا تتناسب مع تفوقهم العددى.
أما القوميون فهم فى أمس الحاجة إلى اقتناء استراتيجية جديدة مختلفة لتحقيق أهدافهم لعدم توصلهم إلى أى نجاح ملموس فى خلال الفترة الطويلة الماضية. وقد يكون العمل بمقتضى هذه الاتفاقية بمثابة الأمل الوحيد لهم حتى ولو على المدى البعيد. و اكتسابهم لصفة رسمية داخل المجلس المنتخب يعد تقدماً فى حد ذاته.
أما قادة جمهورية ايرلندا فعليهم إقناع الحكومة بأن من مصلحتهم التصديق على الاتفاقية كخطوة نحو تحقيق وجود ايرلندا الموحدة وأن فى مقابل إقرارهم بأن مصير شمال ايرلندا سيتحدد من خلال شعبها فقط، يستطيعوا أن يكتسبوا موقعاً حساساً من خلال المجالس المشتركة بينهم و بين الشمال تؤهلهم فى التأثير بقوة على سياسات الشمال.
وبالنسبة لبريطانيا، فمكسبها الحقيقى هو الاستقرار الداخلى ووضع حد لمشكلة لازمتها عبر الثلاث عقود الماضية دون أن تتنازل عن حقها فى ايرلندا الشمالية .ولكن مقابل ذلك اضطرت إلى قبول منفذ قد يؤدى إلى فقدانها لايرلندا الشمالية مستقبلاً.
هيكل إتفاق السلام الإيرلندىـ البريطانى
* تستند الاتفاقية فى أحد أهم مبادئها من البيان الذى وقعه رينولدز عن جمهورية ايرلندا وجون ميجور رئيس وزراء بريطانيا السابق عام 1993 الذى ينص على حق شعوب ايرلندا الشمالية فى تحديد مصيرها.
* الاتفاقية مقسمة إلى عدة أجزاء على النحو التالى:
ديباجة تأييد وتقديم للاتفاق وفيها إعلان جميع الأطراف معارضتهم لاستخدام العنف ورغبتهم الصريحة فى التوصل إلي حل سلمى للمشكلة، من خلال الثقة المتبادلة واحترام حقوق الأخريين.
* الأمور الدستورية: حيث تم الاتفاق على:
ـ إلغاء القانون الخاص بحكومة ايرلندا الذى يفرض سيادة بريطانيا على الجزيرة كلها.
ـ تأييد حق جميع سكان ايرلندا الشمالية فى حمل جنسيات ايرلندية و / أو بريطانية، و الاتفاق على عدم تغيير هذا الوضع مهما تغير وضع ايرلندا الشمالية السياسى.
ـ الاستناد الى مبدأ الإرضاء الشعبى فى اى خطوات يتم اتخاذها بشأن مستقبل ايرلندا، وهو يعتبر من أهم ما توصلت إليه الاتفاقية. مع الاشارة الى أن جميع الأطراف متفاهمون حول أن معظم سكان ايرلندا الشمالية يرغبون فى الاستمرار كجزء من بريطانيا ولكن معظم سكان جزيرة ايرلندا ككل ومعهم أقلية لا بأس بها من الشمال يتطلعون إلى تكوين ايرلندا متحدة أى انفصال شمال ايرلندا عن بريطانيا. و لن يتم تغيير أى موقف سياسى لايرلندا الشمالية إلا بموافقة سكانها، أى من خلال إقامة الاستفتأءات التى تقام بأمر من وزير الخارجية البريطانى و تكون المدة بين الاستفتاء و الآخر سبع سنوات، على الأقل.
* بالنسبة لمتن الاتفاقية فتنقسم إلى ثلاثة مسارات لتحديد العلاقة بين الأطراف و لخلق المناخ والآليات لحل المشكلة.
المسار الأول: ينص على قيام مجلس منتخب لشمال ايرلندا عدده 108 فرد ممثلين لجميع فئات المجتمع سواء من الاتحاديين أو القوميين، يقومون بانتخاب الوزير الأول ونائب الوزير الأول و باقى الوزراء لاتخاذ القرارات الخاصة بإدارة ايرلندا الشمالية تحت رعاية وزير الخارجية البريطانى. وقد صمم نظام التصويت الداخلى للمجلس بما يحتم التعاون بين الاتحاديين والقوميين للتصديق على القرارات و المشاريع المتنوعة المطروحة أمام المجلس.
المسار الثانى: حيث تم الاتفاق على إنشاء مجلس وزارى شمالى / جنوبى يضم ممثلين من أعضاء مجلس ايرلندا الشمالية الذى تم إنشائه فى المسار الأول و بين ممثلين أعضاء فيما يعتبر بمثابة مجلس شعب جمهورية ايرلندا. و قد تم إنشاء هذا المجلس لفتح قناة للتشاور بين الأطراف للبت فى الأمور المشتركة بين الشمال و الجنوب، و يساند أعمال المجلس سكرتارية مشتركة.
المسار الثالث: إنشاء مجلس بريطانى/ ايرلندى يضم ممثلين لكل من بريطانيا و جمهورية ايرلندا وأيضا لهيأت شمال ايرلندا و اسكتلندا وويلز، وجزيرة مان وجزر التشانيل، لتبادل المعلومات ولنقاش الأمور المشتركة ووسائل التعاون بينهم البعض. اما بشأن متابعة أى قرارات يتوصل إليها المجلس فهى أمر اختيارى لجميع الأعضاء.
* انشأت الاتفاقية لجنة حقوق إنسان فى ايرلندا الشمالية وأخرى فى جمهورية ايرلندا لمتابعتها وللحفاظ عليها خاصة حقوق الأقليات ويتم إنشاء لجنة مشتركة من اعضاء من اللجان السابقة للنظر فى الأمور المشتركة.
* المضى قدما فى التقليل من القوات العسكرية والشبه عسكرية المتواجدة فى المنطقة و بحث سبل الحفاظ على الأمن فى ايرلندا الشمالية.
ومن المؤكد ان الاتفاقية تتماشى مع رغبة الأغلبية سواء فى بريطانيا او ايرلندا فى وضع حد لاعمال العنف و التخريب. ولكن الامر مازال متوقفا على نتيجة الاستفتاء الشعبى عليها . ورغم ان احتمال عدم الموافقة الشعبية عليها هو احتمال ضعيف ، ولكن فى حال حدوثه فسيمثل ضربة قاصمة لعملية السلام الايرلندية لان من الصعب التوصل إلى اتفاقية أخرى أكثر مرونة فى صيغتها أو متطلباتها. وسيكون هذا الفشل موضع إحراج سياسى لبريطانيا و أيضا للولايات المتحدة، التى قامت بدور مساعد فى التوصل اليها.
واللافت للنظر أن الأمل الوحيد ان لم يتم الموافقة الشعبية على الاتفاق ، قد يكون للاتحاد الأوروبي والبرامج الاجتماعية و الاقتصادية المشتركة التى سيمولها والتى تبتعد عن تأثير القيادة السياسية للأطراف المتنازعة وتستهدف الشعوب نفسها.